فإذا هوى القلب بقلم منال سالم
الأرضية. فتفاجيء أنها تشهق محاولة التنفس.
التف حولها وجثى أمامها ثم رفع وجهها وأسنده على ذراعه قائلا بتخوف مما يحدث لها
خدي نفسك!
بدت كمن يلهث وحدقت في الفراغ بنظرات خاوية مخيفة.
رمقها بنظرات مرتعدة وضړب برفق على وجنتيها محاولا إفاقتها
ركزي معايا فوقي واسمعيني!
لم تنظر نحوه بل شعرت بالظلام يغلف عيناها وأن الأرض تميد بها وتدريجيا خبى عڼف حركتها وتشنجات جسدها حتى سكنت تماما.
ضغط على شفتيه قائلا بضجر
عشان تبقى كملت!
خرج من المشرحة حاملا إياها فحدق فيه الرجل المنتظر بالخارج بأعين متسعة وهتف پخوف
مالها
رد عليه منذر باقتضاب وهو ينظر له بحدة
فرفرت ماستحملتش المنظر!
لوى الرجل فمه قائلا بارتباك وهو يحك فروة رأسه
هي ناقصة!
قولي أتصرف ازاي!
توجس الرجل خيفة أن يراهما غيره على تلك الحالة فيتعرض للمشاكل والمساءلة القانونية. لذا هتف بنزق وهو يشير بيده
طب اطلع بيها من الطرقة اللي هناك دي هتوديك على سلم جانبي بتاع الطواريء انزل منه لتحت ماشي هتلاقي نفسك في الشارع بس من ورا! واتصرف بقى انت من هناك!
متشكر
بسرعة بس الله يكرمك مش عاوز حد يشوفك هنا
حاضر
اتجه بعدها منذر بخطى سريعة نحو الرواق لينفذ ما قاله الأخير.
بعد لحظات كان منذر خارج المشفى من بوابتها الخلفية.
راقب الطريق جيدا ليتأكد من خلوه من المارة ثم هرول بأسيف نحو سيارته التي كانت مصفوفة على الجانب.
حمد الله في نفسه أنه ركنها في المكان المناسب حتى لا يثير الشبهات حوله فهو في غنى عن أي مشاكل حالية.
وبحرص متأني أنزل أسيف لتقف على قدميها دون أن يرخي ذراعه عنها وضمھا إليه بقوة حتى لا تفلت منه.
مالت هي برأسها على صدره وشدد هو من قبضته عليها حتى يتمكن من فتح باب السيارة باليد الأخرى.
تحرك خطوة للخلف ثم فتح الباب على أشده ووضعها برفق على المقعد الأمامي. انحنى للأسفل ليضم ساقيها معا بداخلها.
كملها معانا بالستر!
دار سريعا حول السيارة ليركب إلى جوارها وقبل أن ينطلق بها بحث عن نظارته الشمسية ليضعها على وجهها حتى إذا توقف في إشارة مرورية ما لا يرى أحد ما بها.
ولج دياب
إلى الوكالة وهو ينهي مكالمة هاتفية مع أحد العملاء.
سلامو عليكم يا حاج
رد عليه أباه بعبوس
وعليكم السلام
تفرس دياب في ملامحه وسأله بفضول مريب
في ايه يا حاج في حاجة مضيقاك
أجابه طه بتجهم
مستني أشوف أخوك منذر عمل ايه مع قريبة عواطف!
هز رأسه قائلا بعدم اكتراث
أها طيب
تابع والده مرددا بتوجس ملحوظ
اتأخر ومكالمنيش لحد دلوقتي!
جلس دياب على المقعد ثم رد عليه ببرود
طب ما تطلبه!
ضغط طه على شفتيه متمتما بمضض
مش عاوز أزهقه هو رايح عندها بالعافية!
تابع دياب حديثه بنبرة فاترة
اسأله يا أبا عادي يعني!
شوية كده وهاكلمه
ثم انتبه لرنين هاتفه المحمول المسنود على سطح المكتب فالتقطه سريعا ليهتف بحماس وهو يدقق النظر في اسم المتصل الظاهر على الشاشة
الحمدلله هو بيتصل!
ابتسم له دياب وأومأ بعينيه ليجيب عليه.
لم يتردد والده في الرد فهتف متسائلا باهتمام
ايوه يا منذر انت فين
رد عليه ابنه بصوت متحشرج
في مصېبة حصلت يا حاج
انتصب طه في جلسته وتساءل بقلق
يا ساتر يا رب البت جرالها حاجة
أجابه منذر بتجهم
لأ بس كان هيجرالها لولا وجودي
هتف فيه أباه بقلق وقد تجمدت أنظاره
لأ احكيلي بالراحة حصل ايه!
تابع دياب الحوار الدائر بينهما باهتمام رغم عدم فهمه لمعظمه خاصة أنه لاحظ تبدل تعابير وجهه المجهد إلى الشدة والضيق.
أضاف منذر بضجر
المشكلة دلوقتي انها معايا في العربية و.... وغميانة!
هتف أباه بنزق وقد هب واقفا
معاك وغميت ليه
أجابه منذر بتجهم
هاوضحلك بالتفصيل بس أنا محتاج أبعد بيها عن المستشفى لو فضلت فيها قريبهم المچنون هياخدها!
رد عليه طه بحيرة وقد ضاقت نظراته
أنا مش فاهم حاجة تعالى على الوكالة!
صاح به منذر بنفاذ صبر
بأقولك يا حاج هي معايا ومش في وعيها!
رد عليه طه بعجالة
طب اطلع على بيت عمتها
اعترض منذر قائلا بجدية
بمنظرها ده مش هاينفع!!
صمت والده ليفكر سريعا في حل مناسب للتعامل مع ذلك الموقف.
طرأ بباله شيء ما فهتف فجأة دون تردد
أقولك اطلع على أمك وأنا هاجيبك هناك!
ماشي
قالها منذر وأنهى معه المكالمة فقد بدا مقتنعا بذلك الاقتراح المؤقت.
تساءل دياب بنبرة مهتمة
في ايه يا أبا
أجابه طه بغموض وهو يلملم أشيائه
باين مشكلة كبيرة مع أخوك وأنا رايح أشوفها!
رد عليه دياب بجدية
طب طمني!
أشار له والده بعكازه قائلا بصرامة
ماشي خليك بس في الوكالة
رد عليه دياب بفتور
أنا قاعد هاروح فين يعني!
اندفع بعدها الحاج طه إلى خارج الوكالة وهو يفكر فيما أبلغه به ابنه ليتعامل مع المسألة بحكمة وروية.
عودة للوقت الحالي
لطمت جليلة على صدرها بعد أن سمعت ما سرده ابنها منذ وصوله للمشفى حتى اللحظة الحالية.
اتسعت مقلتيها وهتفت مصډومة وهي ترمقه بنظرات غير مريحة
يا نصيبتي! وهو احنا ناقصين بلاوي يا ابني!
نظر نحوها هاتفا بقلة حيلة
يعني كنت هاعمل ايه
صاحت فيه متوجسة
عاوز الناس تقول عننا ايه يا منذر وهما شايفينك داخل البيت بواحدة غريبة ومش دريانة بالدنيا!
رد عليها بحدة غير عابيء بأقاويل الأخرين وهو يلوح بيده
اللي يقول يقول ميهمنيش حد!
استنكرت عدم اكتراثه واستدارت بجسدها لاطمة برفق على صدغيها ومغمغة بقلق
يا خۏفي من كلام الناس دول ما هيصدقوا اه هيفضلوا يجيبوا في سيرتنا ويبوظوا سمعتنا و....
قاطعها منذر هادرا فيها بانفعال بعد جملتها الأخيرة التي استفزته
هو أنا جايبها شقة مفروشة! ده بيت عيلة في ايه يا أماه!
ضغطت جليلة على شفتيها قائلة بازدراء خاڤت
هو بيفهموا كده! الناس مالهاش إلا الظاهر!
تحرك منذر مبتعدا عنها فقد اكتفى بما مر به خلال ذلك اليوم العصيب.
سلطت هي أنظارها عليه وهتفت متضرعة وهي ترفع كفيها للسماء
استرها يا رب معانا وعديها
على خير واكفينا شړ المستخبي!!!!!
الفصل الحادي والعشرون
اتجهت عاملة نظافة الغرف الملتحقة بالعمل في ذلك الفندق إلى موظفة الاستقبال لتحصل منها على إذن رسمي يسمح لها بالدخول إلى الغرف الغير مشغولة لتنظيفها كما هو معتاد وخصوصا غرفة ما بعينها.
أشارت لها الموظفة بعينيها متسائلة بنبرة عملية
انتي متأكدة
أجابتها العاملة مؤكدة
ايوه حضرتك هما بقالهم يومين مش موجودين والأوضة محتاجة تتروق والملايات تتغير و...
قاطعتها الموظفة بجدية
اوكي اعملي شغلك وروقيها وأنا هاشوف مع المدير هانتصرف معاهم ازاي
أومأت العاملة برأسها مرددة بهدوء
ماشي عن اذنك
اتفضلي
انصرفت بعدها العاملة لتسحب عربة التنظيف الخاصة
بها واتجهت نحو المصعد لتواصل عملها في تنظيف الغرف بالطوابق العليا.
بعد برهة وصلت إلى الغرفة المنشودة.
فتحتها بإستخدام النسخة الإلكترونية الاحتياطية التي بحوزتها وولجت إلى الداخل.
كان كل شيء كما ترك منذ أكثر من يومين فبدأت هي في تنظيم وترتيب الشراشف ثم غيرت المناشف القطنية بأخرى جديدة.
لفت أنظارها الحقائب المفتوحة فعمدت إلى إلقاء نظرة سريعة على محتوياتهم قبل أن تغلقهم. ولكن وقعت أنظارها على كيس بلاستيكي داكن.
دفعها فضولها لإختلاس النظر إلى ما به. وبالفعل فتحته بحذر شديد.
اتسعت حدقتيها في إندهاش عجيب وسيطر على حواسها رغبة طامعة لقد كان الكيس يحتوي على أموال كثيرة.
ازدردت العاملة ريقها بتوتر كبير وحدثت نفسها قائلة
كل الفلوس دي معاهم!! تيجي ازاي وهما شكلهم كحيتي!
عضت على شفتها السفلى وبرقت عيناها بوميض غريب. سريعا ما اتسعت ابتسامتها الخبيثة لتحدث نفسها بطمع
مش هيجرى حاجة لو أنا خدت الفلوس دي ولا من شاف ولا من دري!!!!!
هزت رأسها نافية محاولة إقناع عقلها بالعكس
لالالا أنا ممكن أتمسك وأروح في داهية لو اتعرف إني أخدتهم!
لعب شيطان رأسها بها ووسوس لها أن تأخذ ما لا تستحقه.
بدا الطمع جليا على نظراتها إلى تلك النقود وفي الأخير استسلمت لإغرائه وسحبت كيس النقود بالكامل وأفرغت ما به ثم دسته في عربة التنظيف بعد أن لفت الأموال بملاءة متسخة حتى لا تلفت الأنظار إليها.
أسرعت بإتمام عملها وهي تتصبب عرقا من فرط التفكير في طريقة تمكنها من إخراج النقود من الفندق دون أن تثير الشبهات أو الريبة حولها.
تعمدت ترك الحقائب كما هي حتى لا يظن أي شخص أنه تم التلاعب بها ووضعت بالكيس البلاستيكي إحدى قطع الثياب المتسخة ليبدو حجمها طبيعيا.
تنفست العاملة بعمق لتضبط إنفعالاتها قبل أن تخرج من الغرفة ويفتضح أمرها. ثم أسرعت بمواصلة تنظيف بقية الغرف وهي تمني نفسها بتحقيق أحلامها بأموال غيرها.
................................
بقي منذر بالصالة جالسا بإسترخاء على الأريكة مترقبا وصول أبيه للحديث معه.
بالطبع لم يسلم من غمزات ولمزات والدته المنزعجة من تهوره بإحضار تلك الغريبة إلى منزلهم محطما كل القواعد والتقاليد والأصول التي تربوا عليها.
طلب منها بهدوء وهو يطالعها بنظرات حادة
طلي عليها يا أماه
ردت عليه بإكفهرار بائن
عاوزني اعملها ايه
مال للأمام بجسده وتجمدت أنظاره عليها ثم أجابها وهو يضغط على شفتيه بضيق
اكسبي فيها ثواب دي غلبانة ويتيمة!
لوت فمها للجانبين بحركة مستنكرة وهي تضيف بضجر
لا حول ولا قوة إلا بالله أمري لله! أما نشوف هترسى على ايه في الأخر!
لم يقل المزيد وأعاد ظهره للخلف وهو يحدث نفسه بحيرة
محدش عارف ايه اللي جاي!
..................................
كان يتناول الطعام بفتور غير مهتم بما يدور حوله من ثرثرات فارغة فقد كان باله مشغولا بالتأكد من ذلك الخبر الخطېر.
جاءته البشرى من أحد جواسيسه الذين جلسوا إلى جواره وانحنى عليه برأسه ليهمس له
طلع الكلام صح يا كبير
توقف مجد عن ابتلاع الطعام والټفت ناحيته بوجهه الصارم ليسأله باقتضاب
اتأكدت
هز المسجون رأسه بالإيجاب قائلا بحماس خفي وهو يجاهد لإخفاض
نبرة صوته
ايوه اسمك طلع في الكشوفات وقريب أوي هتخرج من هنا يا معلمنا
انفرجت شفتي مجد لتبرز أسنانه الصفراء من خلفها وربت على كتف جاسوسه بإعجاب ثم استدار عائدا برأسه ليحدق أمامه بنظرات مظلمة.
أردف قائلا بغموض مخيف
وأنا مستني اليوم ده من زمان أوي عشان أصفي حساباتي القديمة كلها!
.........................................
تحركت جليلة بخطى ثقيلة نحو غرفة ابنتها أروى لتتفقد أحوال تلك الغريبة النائمة على سريرها.
اقتربت من الفراش وهي تتفرس في شحوبها الحزين وسكونها المقلق. دققت أكثر النظر في ملامحها البسيطة فلاحظت جمالها البسيط وضعت إصبعيها على طرف ذقنها وتمتمت مع نفسها بامتعاض وهي تمصمص شفتيها
صحيح شكلك حلو بس حظك وحش!
جلست على طرف الفراش إلى جوارها ومدت يدها لتمسح على وجنتها الباردة برفق.
رأت تلك العبرات العالقة بأهدابها فأشفقت عليها نوعا ما.. فهي لا تزال شابة صغيرة ملامحها تشير إلى ضعفها وخذلان الحياة معها ربما هي لم تكن سوى تعيسة حظ عاندتها المقادير وألقتها في أصعب الطرق وأقساها.
أزاحت الغطاء عنها قليلا لتجد ثوبها مهدلا شبه ممزق ومتسخ. فتبدلت تعابيرها للضيق والتأفف.
همست لنفسها بعزم
انا هاشوفلك جلابية