أغلال الروح بقلم شيماء الجندي
أشرقت شمس يومها الجديد و هي جالسة ترتشف قهوتها التي صنعتها منذ قليل كانت تتفقده بين حين و آخر و دلفت تلك المرة عاقدة حاجبيها حين استمعت إلى صوت تأوه و توجهت إليه تميل بجزعها العلوي و تستند بيديها إلى ركبتيها هامسة باسمه بخفوت
آسر !!! أنت بخير حاسس پألم !!
فتح عينيه يحدق بها لحظات ثم قال بصوت خاڤت
همست بتساؤل و هي تضع يدها فوق عنقه
كتفك نفسه و لا رقبتك من ورا !
ازدرد رمقه و همس بصوت متحشرج
آه هناا !
تنهدت تقول بحزن معلش دا مكان الکدمة بس عشان وقعت راسك اتخبطت من ورا بس فيه كريم بيتحط وأنا نسيته تحب احطه
!!
حاول الاعتدال و تورد خديها و قد لاحظها و همس لها پألم
آه !! سديم هاتي المخدة من ورايا !
آسفة !!!!
بدهشة و كأنها تسأله في صمت عن سر أفعاله شديدة التناقض معها ! إن كان يمقت قربها كما أخبرها أنها مجرد لعبة ! تنتهي خطته و تنتهي قصتها معها ! أدرك حديثها الصامت و لكنه
اتسعت عينيها تنظر إليه پصدمة من مماطلته و بللت شفتيها تحاول دفعه بيديها هامسة
ماينفعش كداا ! سيبني !
عقد حاجبيه حين دلف رائف إلى الغرفة فجأة وهو يقول
إيه ياعم آسر !! أن ا آآ اوبااا !!
تركها أخيرا و استقامت واقفة تهرع إلى الخارج و تضع يدها فوق وجهها من جهة رائف متجنبة النظر إليه و اختفت من الغرفة في لحظات !!!
إيه دا ياآسر !!!
رفع حاجبه و أجاب بهدوء
إيه !
اقترب رائف يضع مابيده فوق الطاولة وعقد حاجبيه يقول بجدية
هو إيه اللي إيه !!!! إيه المنظر دا ياآسر !!
زفر بملل وقال محاولا إنهاء النقاش
بقولك إيه يا رائف أنا مش ناقص تحقيقاتك ! منظر إيه كانت هتقع و لحقتها !
هتقع !!!!!
كانت ملامح آسر ثابتة و عقله إلى الآن عاجز عن ترجمة مايحدث له ماذا فعل منذ قليل !! بل ماذا يفعل كلما اقتربت منه وكأنه يستغل قربها !!! أفاق على حديث صديقه الذي أنهى جدل أفكاره يقول
المرة الجاية و أنت بتلحقها افتكر أنت جبتها منين وليه !!!! ومتنساش أن الوقوع دا شغلتها أصلا ! التمثيل مش صعب على اللي زيها !
صديقه محق لا يوجد مجال متاح لأي أفكار أخرى أجابه قائلا بحزم
أنت دماغك راحت فين !!! فوق يارائف أنت عارف إن الحركات دي مش بتجيب معاياا و مليش في التسلية عشان اديها أكبر من حجمها !
لم يكن صديقه هو المستمع الوحيد بل اخترق الحديث أذنيها حيث كانت عائدة إلى الغرفة و داخل يدها علبة الكريم الخاص به تنفست بهدوء و جزت بقوة على أسنانها و نظرت إلى العلبة القابعة بين أناملها و هي
تفكر هل تعود و تضعها بالداخل حتى يعاونه صديقه بوضعه أم تغادر هذا المكان !!!!
عقدت حاجبيها حين هتف يوسف بصوت أجش يدل على استيقاظه للتو
معلش ياسديم أنا راحت عليا نومة تقريبا !
ابتسمت له بهدوء و قالت بلطف
لا ولا يهمك أنا متضايقتش من القعدة بالعكس خالص !
ثم رفعت العلبة تقول
أنا كنت داخله احط المرهم لأخوك بس كويس إنك جيت تعالى معايا بقااا !
ابتسم لها و قال بترحيب
آه طبعا يلا !
دلفت إلى الداخل تنظر إليه بهدوء و تراقب نظرات القلق فوق ملامحه هو وصديقه الذي قال بدهشة
أنت هنا لسه
أجاب يوسف على الفور ساخرا يظن أنه يقصد تواجدها بالمنزل بشكل عام
يااعم دي تقريبا الوحيدة اللي منامتش زي البيت كله حتى أنا اعتمدت عليها بصراحة ونمت و راحت عليا نومة بدل ما أبدل معاها !!
نظرت سديم إلى رائف الذي يجلس فوق المقعد الذي يجاور فراشه و الذي إلتوت ساقها عنده منذ قليل و سقطت داخل أحضان هذا اللعېن ! كانت نظراتها خاوية لكن حديثها أخبرهما أنها استطاعت سماع الكلمات بل و تملك قوى المواجهة والرد عليهما حيث قالت بتلميح واضح
أنا معملتش حاجة تستاهل يايوسف أي حد مكاني هيشوف حد مريض و محتاج مساعدة هيقف يتفرج عليه !
ثم أكملت موضحة
تعرف أميرة مثلا لو كانت هنا كانت هتقول عليا استغلالية و بمثل وكدا عقلية مريضة أوي في حالة زي دي ! مش متفق معايا يارائف ولا إيه
كان ينظر إليها بتوتر و خجل و لكنه قال بهدوء
طبعا عندك حق !
ابتسمت له وقالت بلطف حذر
اكيد عندي حق أصل أميرة مش بتستلطفني خالص عشان كدا دايما كلامها سخيف و مش بتحسبه معايا !! بس أنا مبردش
أصل مش أي حد يستاهل نرد عليه !
كان يوسف يضع الكريم فوق عنق أخيه بشرود لكن عيني آسر كانت ترتكز فوقها و قد امتزج لديه شعور الاعجاب بها و الڠضب من الموقف كانت تنصت إلى حديثهم مما أغضبه و أدهشته بقوة رد فعلها لقد قررت المواجهة و آثرتها عن الفرار و وضعت صديقه بموقف حرج و كأن الحديث انتهى عاجز عن الرد بل خرج خلفها حين خرجت من الغرفة الآن !!!!!
اتجهت سديم خارج منزله الصغير بخطوات سريعة غاضبة منه و من صديقه و من نفسها و كأن حالة من الاختناق تسيطر عليها داخل هذا المكان جلست معه حين وجدته لا يقوى على الوقوف بمفرده !!! و الآن يظن بها الظنون هو و صديقه و كأنها فتاة ليل أو باغية ! ماذا صنعت لتحصل على تلك الكلمات السامة مقابل معاونتها إياه !!!
أوقفها صوت رائف الذي قال فور استقراره أمامها
سديم أنا آسف ! أنت فهمتي غلط أن آآ
قاطعته تقول بحزم وڠضب
أنت اللي فهمت غلط أو مفهمتش أصلا طالما واثق في صاحبك أوي كدا و خاېف عليه من ممثلة زيي قوله ميقربش مني تاني و كان سابني وقعت و هقوم عادي مش مشكلة أنا
مرمتش نفسي في حضنه عشان تتكلم عني كدا أنا آه مش ملاك بس مش بالقرف اللي أنت صورته لنفسك دا خد بالك من كلامك عني بعد كدا عشان أنا مش بسيب حقي و لا بسكت عنه كلها فترة صغيرة اوي يخلص شغلي معاكم ومش عايزة اشو
وش حد منكم بعدها !
تركته و غادرت و لها كل الحق بل أنها اشعرته بالإحراج من كلماته ماذا فعلت ليتحدث عنها هكذا ! لقد عاونت صديقه طوال الليل ! إن كانت بهذا السوء ما الذي أجبرها على مراقبة حالة رفيقه كان يمكنها الاختفاء بعد إسعافه أو إيقاظ المنزل بأكمله لكنها لم تتسبب بإزعاج أحد و هو ازعجها بكلماته و أحكامه !!
دلفت إلى الغرفة و جلست فوق الأريكة بصمت تحدق بالفراغ و قد فرت دمعة من عينيها و لأول مرة يسيطر عليها شعور أنها لعبة ! مجرد دمية بين أنامل الجميع الخال و الأم و الأماكن التي ذهبت إليها و جميع من قابلها كان يتلاعب بها مثل الدمية حتى هو ! لا تعلم ما الذي دفعه إلى التحدث هكذا عنها و هي منذ أمس قلقه لشأنه كما لم تفعل من قبل ! أشفقت على وحدته و هيئته و هو فوق الأرض الصلبة غائب عن الوعي هل هذا هو الجزاء الذي تستحقه ! لم تنتظر التقدير لكنها أيضا لم تنتظر التحقير !!!
وما فائدة إنجازاتك في أماكن لا تشبهك ومع أشخاص لا تنتمي إليك !
وقفت تهمس لحالها و هي تتجه إلى غرفة تبديل الملابس
أنا هعرف اتعامل معاك ياآسر بس أخلص من اللي ورايا الأول !
الفصل الثامن إنقلاب !
احتضنت نورهان أختها الكبرى سديم فور أن انتهت من تصفيف خصلاتها كما أخبرتها و قالت بفرحة واضحة
! أنا ممتنة لما فعلتيه !
ابتسمت لها و احتضنتها هي الأخرى تقول بلطف
يلا هاتي بقا اللي محتجاه وأنا هروح أشوف بابا اتفقنا
هزت رأسها بالإيجاب و جمعت سديم حقيبتها تضع داخلها السبب الرئيسي لتواجدها داخل الغرفة الخاصة بالطفلة ثم خرجت تتجه إلى غرفة عاصم و وقفت عند بداية الغرفة تطرق الباب المفتوح بالفعل بخفة واستمعت إليه من غرفة الملابس يقول
تعالي ياسديم ! أنا هنا !
دلفت إلى الغرفة ثم توجهت حيث يقف بالداخل و قالت بصوت مرتفع قليلا
ادخل !!!
خرج إليها و رابطة عنقه بين أنامله يقول بحيرة
جيتي في وقتك اختاري واحدة بقاا عشان نورهان معبرتنيش النهاردة !
ابتسمت له و قالت بدهشة
نورهان اللي بتختار كل يوم ولا إيه !!
ضحك بقوة و هو يعود معها إلى الداخل لاختيار رابطة عنق مناسبة و بدأت تعبث بأناملها وتستمع إليه يقول
ذوق نورهان هايل خدي بالك متستهونيش بيها !!
هزت رأسها بالسلب و قالت بهدوء
مقدرش طبعا !
اختارت إحداهن و امسكتها تضعها حول عنقه قائلة
دي حلوة أوي !
رفع حاجبه بإعجاب و أجابها ضاحكا وهو ينظر إلى انعكاسه بالمرأة
لا واضح أنكم ورثتوا الذوق العالي مني أنا !!
حزنت لكلماته و نظرت إليه پألم واضح و قد اشفقت على حاله للغاية و توجهت إليه
بس أنت أجمل بكتير مني ! متعرفيش أنا فرحان ازاي برجوعك لو أقدر اجيبلك نجمة من السما مش ممكن أتأخر !
ابتسمت له و قالت بلطف
أنا متأكدة من دا بعد إذنك دقايق و اجيلك ننزل سوا !
وتركته يكمل عقد الرابطة و توجهت إلى المرحاض ثم عادت إليه قائلة بهدوء
يلا بينا !
هبطت معه إلى الأسفل وتأكدت أن أميرة داخل الحديقة الخلفية تنتظر طعام الفطور وتعبث بهاتفها توقفت حينها وتركت يد الصغيرة نورهان وقالت عاقدة حاجبيها
أوف أنا شكلي نسيت فوني في الأوضة هجيبه و احصلكم ! اسبقوني انتوا !
ودعتها الصغيرة بيدها و قالت بحماس
هستنى تفطري معايا يا ديمي !
ابتسمت لها و أومات بالموافقة ثم تركتهم و أسرعت إلى الخارج تضع حقيبة صغيرة على جانب البوابة الخارجية بمسافة كبيرة و عادت إلى الداخل بعدما تأكدت برسالة نصية أنهم حصلوا على ما تركته !!
رفعت هاتفها تتحدث إلى سامح قائلة
متأخرش عن بكرة الدنيا هنا مقلوبة عليا و أميرة كانت في اوضتي بليل وأنا وزعتها !
عادت إلى العائلة و جلست بجانب الصغيرة تداعبها بين حين وآخر رغم أنف والدتها التي تظاهرت أمام الجميع أنها نادمة على أفعالها مع سديم منذ قدومها و أنها اعتذرت لها أمس عما بدر منها ! و لم تحاول سديم تكذيبها بل أكدت على حديثها و قالت
أميرة طلعت لذيذة أوي غالبا أعصابها كانت تعبانه شوية و دلوقت بقيت تمام !
كادت أميرة تتحدث لكن قاطعها السائق الذي وصل يقول بتهذيب
معاد المدرسة !
رفضت نورهان الذهاب و قالت بحماس وهي تحتضن
سديم
لا أنا هروح مع ديمي !!!
ابتسمت لها سديم وداعبت وجنتها و قال عاصم مؤيدا الفكرة باستحسان واضح و رغبة في تقارب فتياته
فكرة حلوة جدا و أنا هاجي أوصلك مع سديم و أروح أنا و هي الشغل بعدها !
تحدث المراقب الصامت و قال و هو يباشر تناول طعامه
أنا رايح الشغل ياعمي ممكن نوصل نورهان في سكتنا و روح أنت على شغلك !
اقتراح جيد أيضا لكن قاطعت هي حبل أفكار عاصم حين وجدت الرضا على ملامحه و قالت برفض
أنا بعرف اسوق و ممكن اخد نورهان معايا عادي و بعدها اروح شغلي مفيش داعي لكل دا !
وقفت أميرة تقول پخوف و نظراتها التحذيرية تتجه إلى ابنتها الصغيرة التي تحتضن تلك الکاړثة و كلها إصرار على مرافقتها
طيب وليه كل داا نورهان حبيبتي أنا فاضية و أوصلك وخلاص !
ابتسمت سديم حين رأت معالم الذعر منها واضحة على ملامح أميرة و لكنها آثرت الصمت و طبعت قبلة دافئة فوق خد تلك اللطيفة التي ټحتضنها بحماس و تردد برفض متجاهلة أحاديث الجميع
لأ أنا هروح مع ديمي !
اعتدل سليم الذي كان يجلس بجانب الصغيرة من الجهة الأخرى و يتابع الحديث ببسمة صغيرة منذ البداية ثم بخفة و يقول بلطف
جماعة شكلكم وحش أوي وانتوا بتترفضوا مرتين من القمر داا هي عندها إصرار على ديمي و الأفضل تنفذوا مطالبها بقاا إيه رأيك يانور أجي معاكم !!
ضحك يوسف وقال بعبث
لأ بقاا طالما الكل عايز يروح وبيلعبها لمصلحته يبقا أنا أولى اخد البرنسيس الصغيرة و الكبيرة وينوروا عربيتي والله !
ثم وجه نظراته إلى سديم و قال غامزا
أوعى تكوني زهقتي مني عشان طول الليل في وش بعض أنا مرح جدا بعيدا عن الأزمات الصحية اه والله !
ضحكت سديم و هزت رأسها بالسلب بينما علق رأفت بدهشة
طول الليل إزاي هو فيه حاجة حصلت ولا ايه
أجابه يوسف بصدق
أنا مكنتش حابب اقلقك بس سديم أنقذت آسر امبارح بصراحة لحقته !
صمت الجميع وتلاشت البسمات بينما وقفت هي تقول بهدوء
طيب ياجماعة كدا معاد المدرسة هيروح على نورهان هروح اوصلها وانتوا كملوا فطار !
مالت تضع قبلة صغيرة فوق خد الجدة التي ابتسمت لها لعفوية فعلتها ثم استقامت و أمسكت يد الصغيرة التي ابتهجت لتنفيذ ما أردات ووقفت سديم توجه حديثها إلى الصغيرة و تشابكت عينيها مع عيني أميرة ببسمة ماكرة
يلا قولي لمامي باااي !
ذهبت نورهان بصحبة سديم وتوترت أميرة لكنها جلست محلها تستمع إلى ماحدث ليلة