أغلال الروح بقلم شيماء الجندي
قدام الأمر الواقع مهما كانت مكانتي عندهم في احتمال كبير يرفضوا و مش بعيد يقولولي خلاص روحي معاها وأنا مش هغامر بتعبي دا كله عشانك
ظهرت علامات الاقتناع على ملامحها بل شعرت أن هذه الفتاة لها منطق قوي و عقلية جيدة للغاية ناهيك عن بعد نظرها تجاه الأمور اعجبتها كما اعجبت الرجلين المتابعين للحديث و طريقة سيطرتها على هذه الخبيثة وتمكنها من صرف فكرة تواجدها معهم ببضع كلمات وها هي تنصاع إلى حديثها و تنصرف من اتجاه باب الحديقة معها على اتفاق بلقاء آخر في الصباح الباكر
طيب وهي رفضت إنها تقعد معانا ليه وهي متعرفش حاجه عن ماضيها أكيد محدش حكى ليها علاقتها بينا كانت إيه بالعكس دي بتتهمنا إننا السبب في مۏت بنتها وټدمير حياتها
جلس آسر فوق المقعد وقال عاقدا حاجبيه
معرفش يمكن خاڤت توافق و هي مش قايلالي و خاڤت ترفض تتورط معاها أصلا كويس إنها عرفت تخرج من تحت إيدها منغير ما تبتزها وتبدأ تتحكم فيها
سيطر الصمت عليهما إلى أن حمحم سليم ثم قال بخجل طفيف
أنت مزعلتش من كلامي في المستشفى مش كدا أنا عارف إن هدفك خير بس إحنا ملناش نحجر على عمي عاصم و نتصرف مكانه يا آسر صحيح هتبقا صدمة جامدة عليه بس أكيد مش هيعيش العمر كله فاكر بنته موجودة من حقه يعرف و أديك شايف الدنيا بتتعقد كل شوية إزاي مش هنكر إن تصرفها كان كويس لما خرجتك من الصورة و مورطتتكش مع روزاليا بس برضه إحنا منعرفهاش ياآسر عشان نثق فيها
أنت لسه شاكك في سديم بعد اللي شوفته بعينك
رفع سليم حاجبه الأيسر و استقام واقفا يقول بنفور واضح
أنت اللي مآمن ليها زيادة عن اللزوم وناسي إنك جايبها بالفلوس تمثل و اللي بتعمله دا حتى لو كان في صالحك ملهوش أي مسمي عندي غير إنها بتعمل شغلها اللي قبضت تمنه دا دورها و قامت بيه ومش بعيد تكون عارفة إن فيه كاميرا في اوضتها وعملت دا قصادنا عشان تقابل روزاليا برا وتتفق معاها ضدك البنت دي ذكية لدرجة تخدع روزاليا أنت متخيل مدى بشاعتها
سديم كان في ايدها تضرني دلوقت ومعملتش كدااا وكان ممكن تسيبها على فكرة تقعد معانا الموضوع مش هيضرها
عقد سليم حاجبيه و سأله بترقب و تردد
تضرك دلوقت أنت حكيت ليها حاجة عنك ياآسر
استند بيديه إلى مكتبه ونكس رأسه رافضا الرد على سؤاله و قال بهدوء مغمضا عينيه
أنا محتاج أنام لأني مجهد و متنساش تأكد على الراجل اللي كلمته يدورلنا على علاقة روزاليا بأميرة نشوف إيه حكايتها دي كمان
نظمت أنفاسها أولا ثم طرقت الباب و دلفت على الفور تقول بهدوء
روزاليا مشيت بس معرفتش اتكلم مع آسر و سليم
ابتسمت لها الجدة و أردفت بلطف و هي تضع يدها على الفراش بجانبها
نسخة واحدة كلامهم غلس زيهم بس طيبين أوي و مش بيظلموا حد قوليلي حصل ايه بينك وبين الخبيثة دي
قصت عليها تفاصيل ما حدث و ختمت حديثها قائلة بحزن مدافعة عن أفكارها
سليم قال لآسر إني عملت كدا عشان الكاميرات اللي عندي بس أنا محبتش تقعد معاكم فعلا ومفكرتش للحظة بالشكل دا
ابتسمت الجدة و سألتها بعبث و أنت اللي مزعلك كلام سليم و لا خاېفة آسر يصدقه
وكأنها تضعها بمواجهة أمام نفسها سؤال تخشاه منذ أن استمعت إلى النقاش الدائر بينهما و شعرت أن حديث سليم منطقي بالنسبة إليه وقد يؤثر عليه لكن ما بالها ما الذي يشغل عقلها هل حديث سليم الصائب وأنها ليست مصدر ثقة أم صمت آسر وعجزه عن الدفاع عنها بمبرر قوي و برهان واضح
أفاقتها الجدة حين وضعت يدها فوق ذراعها و رفعته تنظر إلى أثر أظافر تلك اللعېنة تسألها پغضب
هي اللي عملت كدا
حركت سديم عينيها حيث أشارت الجدة ثم أمسكت يدها تربت عليها تقول بلطف
متقلقيش أنا مسيبتش حقي رقبتها فيها أسوأ من العلامات دي
وواصلت بتوتر وعينيها تتحرك فوق ملامح الجدة بترقب
أنا شايفة إن خلاص لازم ابن حضرتك يعرف كل حاجه ظهورها دلوقت ممكن يخلى الأوضاع تسوء أكتر
عقدت الجدة حاجبيها و سألتها بدهشة
و هتقوليله إزاي يابنتي دا عاصم ممكن يروح فيها عايزة تقوليله إنه مش بيخلف أصلا دا أنا لما عرفت كنت هتجنن
تنهدت سديم و أردفت بحزن
أنا وعدتك لما جيت صارحتك إني مش هتسبب في ضرر حد من عيلتك متقلقيش هعرف اتصرف منغير ما أضره
نظرت لها الجدة بارتياح و شردت تتذكر لحظة مصارحة تلك الفتاة لها ..
...
كانت سديم جالسة بجانب الصغيرة نورهان التي كانت تعرض لها المشهد المسجل لها في مدرستها و تشاركها التعليقات بحماس طفولي واضح حيث بدأت تشرح لها شعورها في كل موقف أولتها سديم الاهتمام كما منحتها محبة خالصة لها دون نفاق وهذا جذب الصغيرة تجاهها بشكل كبير و تحولت في خلال أيام من فتاة صامتة هادئة إلى فتاة تشع بهجة وحيوية أدهشت الجميع و صارت تمارس دلالها على الأخت الكبرى التي رحبت بأفعالها بل و شجعتها أيضا لاحظ الجميع هذه العلاقة العفوية كما جذبت انتباهه لها بشكل كبير و جلس الآن يرتشف قهوته وهو يتابع جلسة الصغيرة فوق ساقيها و احتضان الأخرى لها تستند بذقنها فوق كتف الصغيرة و تداعبها بين حين وآخر لټنفجر ضاحكة و يشاركهما عاصم أحيانا و قد تعلقت عينيه بهما و كأنه امتلك كنز يخشى صرف عينيه عنه
بدأت الصغيرة تستسلم إلى تيار النوم داخل أحضان سديم و وقف عاصم يحملها و يصعد بها إلى مقر نومها وقد تفرقت العائلة واحدا تلو الآخر عدا الجدة و هي و هو
كان يود الحديث معها لكنها وقفت فجأة تقول بهدوء
تصبحوا على خير
أجابها بعجب وعفوية
هتنامي دلوقت
هزت رأسها بالايجاب وقالت بدهشة
أيوا
كاد يتحدث لكنها أكملت وهي تنسحب من المجلس بعد إذنكم
عقد حاجبيه و وقف هو الآخر يقبل رأس الجدة التي كانت تراقب ما يحدث بصمت ثم انصرف لتتنهد الجدة و تنظر إلى المعاونة الخاصة بها تطلب منها أن تذهب تخبر سديم أنها تود رؤيتها في غرفتها
استمعت الجدة إلى طرقاتها فوق باب الغرفة و أذنت لها بالدخول تقول باقتضاب
اقفلي الباب وراك ياسديم وتعالي
أغلقت الباب بإحكام و توجهت إليها لتقول الجدة و هي تنظر إلى الزجاج المؤدي إلى الحديقة
و اقفلي دا كمان
أذعنت سديم إلى مطلبها و قد بدأ الشك يساورها لكنها عادت إليها بصمت تنتظر حديثها وبالفعل ابتسمت لها الجدة وقالت بهدوء
بتعاملي آسر كدا ليه يا سديم
عقدت حاجبيها و سألتها بدهشة
كدا إزاي
تنهدت الجدة و أشارت إلى المقعد أمامها تدعوها إلى الجلوس وهي تقول بلطف
أنا مبحبش اللف والدوران وأوعدك أي حرف هتقوليه هنا هيروح معايا قبري محدش هيعرفه إلا برغبتك معاملتك لآسر مش زي معاملتك لسليم ويوسف و كنت بقول إنه ممكن من الشغل أو بيضغط عليك لكن واضح إنك بتتعمدي دا و بصراحة أكبر أنا بدأت اقلق و عقلي ترجم حاجة اتمنى تكون غلط لما هند المساعدة بتاعتي لقيت دي في أوضتك الصبح
رفعت يدها بتلك السلسلة الصغيرة التي تحمل خاتم أبيها الحبيب المنقوش فوقه اسمه ذكرى تخشى أن تدنسها حين تضعها حول عنقها واحتفظت بها داخل حقيبتها الخاصة هل سقطت منها دون قصد أم أن الجدة بدأت تعبث معها و تبحث في محتويات حقيبتها لماذا لا تحاول مصارحتها و يحدث ما يحدث في جميع الحالات لن تترك الصغيرة تعاني و لن تواصل خداعها إلى الأبد لتعلم الجدة و يحدث ما يحدث
سألتها سديم مباشرة أنتوا دورتوا في الأوضة بتاعتي على حاجة
اجابتها الجدة بصدق آه كنت بدور على ورق يثبت شخصيتك لأني بدأت أشك إنك بنت عاصم
تنهدت سديم و أردفت بتوتر طفيف هتقدري تسمعي الحقيقة ولو اتكلمت هتصدقيني
اهتزت نظرات الجدة الثابتة و أجابتها بترقب هحاول
ثبتت سديم نظراتها على الجدة و قالت برفض واضح
أنا مسألتش عن محاولة حضرتك اللي هقوله محتاج حد يصدقه عشان ينقذ عيلتكم و الأهم من دا تساعديني آسر بيكره روزاليا لدرجة ممكن تعميه أي حاجة وممكن يعمل کاړثة يندم عليها عمره كله في وقت ڠضب
اتسعت عيني الجدة و قالت بنبرة ثابتة قوية
لو عيلتي في خطړ و أنت جاية تساعدي أنا أول واحدة هتقف معاك بس أعرف حكايتك إيه وعرفتي عاصم منين و ليا نظرتي اللي أقدر احكم بيها على كدبك أو صدقك
بللت سديم شفتيها ومالت إلى الأمام تضع رأسها بين يديها لحظات ثم زفرت بصوت مسموع ورفعت رأسها تردف
أنا مش بنت ابنك أنا ڼصابة كان مطلوب مني حاجة محددة اعملها وامشي بس عرفت حاجات عنكم ربطتني بالمكان وحلفت مش هتحرك منه قبل ما انقذ أضعفكم أنا عملت مصايب كتير و خدعت ناس أكتر لكن لا يمكن أشارك في أذية طفلة
انتبهت الجدة إلى حديثها وبدأت تنصت إليها بدهشة تلاشت و حل محلها الصدمة حين أكملت قائلة
نورهان مش بنت ابنك برضه أنا عملت تحليل ليهم واتأكدت من دا أميرة بتتقابل مع مراته الأولى روزاليا و أنا هنا عشان أوهمه إني بنته و أقنعه يغير وصيته اللى كاتبها لسيلا على حسب كلام آسر طبعا
بدأت الصدمة تتبلور فوق ملامح الجدة و تابعت سديم الحديث تقول بأعين تلتمع داخلها الدموع ونبرة يشوبها الاختناق
أنا كنت هسيبكم و امشي و أخلص من كل دا بس لما عرفت إن نورهان هتتورط مقدرتش اسيبها مهما كانت أمها بتعمل إيه هي ملهاش ذنب و أمها طماعة لدرجة كبيرة و ممكن تغامر بيها في أي وقت تصدقيني أو تكدبيني أنا أكتر واحدة عارفة يعني أي بنت ليها أم طماعة و معنديش أي استعداد أشوف طفلة بتعاني من دا العالم دا مش بيرحم محدش هيسيبلها مبرر واحد ولا يقول امها السبب الكل هيشاور عليها ويقول إنها أسوأ واحدة في الدنيا كأنها اتولدت شيطانة صغيرة الكل هياخد بالنتيجة و أنا هنا عشان احمي البنت دي من نتايج طمع أمها وغضبكم لما تعرفوا إنها مش بنته
سألتها الجدة بصوت مبحوح و أعين دامعة و سيلا بنت ابني مع روزاليا وعارفة كل دا
هزت رأسها بالسلب ونكست رأسها تقول بحزن سيلا مش بنت ابنك أصلا ابنك مش بيخلف و دا اللي لسه محدش منكم يعرفه واضح إن روزاليا خدعتكم من زمان و بتمارس عليكم نفس الخدعة دلوقت
سقطت دموعها و قالت بتكذيب لأ أنت بتكدبي
تنهدت سديم و بدأت تتأثر لحالة الجدة و لكنها أخرجت هاتفها و بدأت تعرض عليها التقارير واحدا تلو الآخر وهي تقول بحزن
أنا طلبت من ابنك يعمل تحليل شامل عشان نتطمن على صحته بشكل عام و كريم قام باللازم وقتها و اتأكدنا إنه عقيم و عرفنا نوصل للدكتور بتاعه و اللي أكد كلامي و سجلنا كمان الكلام معاه وتقدري تروحي ليه وتتأكدي بنفسك أنا عارفه إن دي صدمة كبيرة بس صدقيني أنا كنت هسيب كل دا وامشي و مش هتشوفوني تاني و مقدرتش افرط في الصغيرة اللي هتروح وسط الموجة ولا افرط في اللي باقي من عيلتي
سقطت يدها الممسكة بالقلادة فوق الفراش و قد لاحظتها سديم لتقول پألم هي تستقيم واقفة ثم مدت يدها تلتقطها من بين أناملها بهدوء
على فكرة الخاتم دا بتاع بابا كان دكتور جامعي أنا كان عندي عيلة زي نورهان كدا
نظرت إليها الجدة عاقدة حاجبيها ثم إلى القلادة و راقبت اختفائها من الغرفة بحزن بينما بدأ عقلها يترجم ما قالته و كانت ليلة قاسېة استرجعت بها جميع ذكرياتها و حاوطتها التخيلات و الكوابيس عن رد فعل ابنها سيئ الحظ و بين تساؤلات هل تصدق تلك الفتاة أم تكذبها و إن كانت سيئة ما فائدتها بكشف هذه الأسرار بل و إعلام ابنها أنها ليست ابنته إذا أين مكاسبها إن كانت سيئة كانت أكملت دور الابنة و سيطرت على الأموال وقضي الأمر و لن تغامر بحديث مع عجوز مثلها
لم يزورها النوم في تلك الليلة إلى أن أشرقت شمس الصباح الجديد و طرقت سديم الباب ثم دلفت تقول بهدوء
قررتي إيه أكمل في اللي بعمله و لا اختفي نهائي
نظرت لها الجدة لحظات ثم قالت ببسمة ماكرة
لا هتكملي بس لازم اعرف قصتك الأول عشان سرك يبقا قصاد ضرر عيلتي
رفعت سديم حاجبها و قالت بعبث حين وجدت داخل عينيها ثقة مهزوزة بعض الشيئ بها
ما أنا ممكن أكدب عليك و ألف قصة من خيالي
ضحكت الجدة و قالت بمكر و أنا أبان هبلة وسهل يتضحك عليا متنسيش إن أنا الوحيدة اللي كشفتك قولي و زي ماقولتلك اللي هتقوليه هيتدفن معايا مجرد ما الموضوع دا يخلص و احكيلي آسر عرفك إزاي
تنهدت سديم جلست أمامها بصمت دام للحظات تنظر إليها بتردد
قبل أن تقص عليها ما حدث لها منذ أعوام و تخبرها سرها الأعظم وجدت داخل عيني هذه العجوز أمان غريب و رغم أنها تحاول مقايضتها إلا أنها لا يوجد لديها ما تخشاه لتخبر أحدهم أنها ليست بهذا السوء لعلها تجد راحة روحها ولو لمرة واحدة
...
أفاقت على يد سديم تربت بهدوء فوقها و تستقيم واقفة تقول بلطف
أنا هروح أنام
عقدت الجدة حاجبيها و سألتها بدهشة وقد لاحظت چرح أذنها حين رفعت خصلاتها بشكل عشوائي
إيه دا ياسديم حصلك إيه
ابتسمت و أجابت