الإثنين 25 نوفمبر 2024

فإذا هوى القلب بقلم منال سالم

انت في الصفحة 13 من 51 صفحات

موقع أيام نيوز

حاجة مني
ردت أسيف مؤكدة 
لا كله تمام 
بينما أضافت حنان بنبرة ممتنة 
شكرا يا حاج فتحي ربنا يخليك لينا!
هتف بنبرة عالية وهو يلوح بذراعه في الهواء مودعا كلتاهما 
طيب فوتكم بعافية!
تابعته الاثنتان بنظرات منوعة مابين الإنزعاج والخۏف.
التفتت أسيف ناحية والدتها وهمست بصوت متبرم 
معنتش بأقبل وجوده يا ماما 
ردت عليها أمها مدافعة عنها 
كتر خيره برضوه عارف الأصول!
استنكرت دفاعها عنه وهتفت بتذمر معاتبة إياها 
هو في واحد عارف في الأصول يبيعنا ورثنا ڠصب!
تنهدت والدتها باستياء قائلة 
مالوش لازمة نحكي في اللي فات 
رأت أسيف علامات الضيق متشكلة على وجهها فتوقفت عن إلقاء التهم واللوم حتى لا تزعج والدتها أكثر فشاغلها الآن هو الانتقال للحضر والخوض في مغامرة جديدة لمعرفة المزيد عن عائلة أبيها وذلك الإرث الغامض..
ابتسمت لها بود وردت بإيجاز وهي تنحني لتقبل رأسها 
ماشي!
استمعت بعدها كلتاهما إلى صوت صافرة القطار فتملكها الحماس للمضي قدما وصاحت بتلهف 
يالا يا ماما!
حركت والدتها مقعدها المتحرك بكفيها في حين رفعت أسيف حقائب السفر بيديها واتجهت الاثنتان نحو القطار دنت أسيف من أحد عمال السكة الحديدية وطلبت منه العون في إدخال والدتها إلى داخل عربة القطار قائلة برجاء قليل 
ممكن مساعدة يا حضرت
الټفت العامل نحوها ونظر إلى حيث تشير ثم رد عليها بنبرة رسمية 
حاضر يا ست!
بعد برهة كانت كلتاهما بداخل العربة جلست أسيف على مقربة من النافذة وحدقت بحماس في المنظر الطبيعي بالخارج تسارعت دقات قلبها نوعا ما بسبب حماستها الزائدة وتشكل على ثغرها ابتسامة متفائلة ومتطلعة لغد أفضل عاودت النظر إلى والدتها فوجدتها ممسكة بمصحفها تقرأ فيه بعض أيات القرآن.
تنهدت بعمق واستدارت برأسها مرة أخرى نحو النافذة داعية الله في نفسها أن ييسر لهما كل عسير.
انتهى أغلب العمال من تحميل الشاحنات الكبيرة بألواح الرخام والسيراميك وكذلك أنواع الأرضيات المختلفة عليهم وتم إفراغ معظم المخازن مما بها من بضائع لوح منذر لسائقي الشاحنات التابعة له قائلا بنبرة مرتفعة تحمل الصرامة 
اتأكدوا إن كل حاجة متربطة كويس مش ناقصين يحصل زي المرة اللي فاتت والبضاعة تريح!
رد عليه أحد العمال بثقة 
اطمن يا ريس منذر!
الټفت منذر ناحيته وأردف قائلا بحدة وقد احتدت نظراته 
مش هاطمن إلا لما أتأكد بنفسي!
صاح العامل بصوت مرتفع 
يالا يا رجالة شدوا حيلكم!
راقبهم منذر بنظرات ثاقبة للغاية ففي المرة السابقة تعرضت إحدى شاحناته لموقف متأزم حينما مالت الحمولة للجانب وكادت تفقد الشاحنة توازنها على الطريق السريع مما
اضطر السائق للتوقف إجباريا على أقصى جانب الطريق مستنجدا به ليرسل له من يعاونه على إنقاذ الشاحنة قبل سقوط الحمولة بأكملها وبالتالي تكبدهم خسائر فادحة إن لم يكن تعرضه هو وأخرين لحاډث سير مفجع.
لذا وقف بنفسه تلك المرة وسط عماله ليتأكد من اتباعهم لتعليماته بحزافيرها.
دنا منه رئيس المخازن قائلا بنبرة رخيمة 
البضاعة اتحمل يا باشا ودي الفواتير والأوراق 
تناولها منذر منه وتطلع فيها بنظرات خاطفة وشمولية ثم رد عليه باقتضاب 
تمام!
سار هو بخطوات سريعة نحو إحدى الشاحنات ليركب في المقدمة بجوار السائق ليشرف بنفسه على وصول بضاعتهم بأمان.
وصل القطار إلى محطته الأخيرة فترجلت منه أسيف ومن بعدها والدتها بمعاونة عاملين المحطة جرجرت حقائبها خلفها وتلفتت حولها بنظرات حائرة هي لم تعرف إلى أين تذهب تحديدا فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي تبتعد فيها تماما عن قريتهم البسيطة وتنتقل إلى مكان أوسع وأكبر وأكثر إزدحاما.
ارتفعت الحماسة بها لكنها كانت ممزوجة بالقلق والتوتر.
انتبهت لصوت والدتها يناديها بتحذير 
بالراحة يا أسيف خلينا نشوف هانعمل ايه الأول 
حاضر يا ماما
قالتها أسيف مبتسمة برقة تباطأت في خطواتها واتبعت إرشادات اللوحات المعدنية لتصل إلى خارج المحطة بعد عدة دقائق كانت كلتاهما على مسافة قريبة من منطقة سيارات الأجرة.
أسندت أسيف الحقائب إلى جوارها وأخرجت الورقة التي تحمل عنوان عمتها لتقرأها أخذت نفسا عميقا حبسته لثوان في صدرها ثم أخرجته دفعة واحدة ونظرت إلى والدتها بحنو مرددة 
جاهزة يا ماما
بادلتها حنان نظرات شبه متوترة وردت بخفوت 
ايوه ربنا يكملها معانا بالستر!
بحثت هي بعينيها سريعا عن إحدى السيارات لتقلهم إلى العنوان المذكور وبالفعل حظت بواحدة بعد معاناة مع السائقين المتذمرين فالمسافة لم تكن هينة قام السائق بوضع الحقائب في صندوق سيارته ثم تعاون مع أسيف في إسناد حنان وإجلاسها في المقعد الأمامي.
جلست هي في الخلف وتطلعت بتلهف من النافذة لرؤية عمتها الوحيدة على النقيض كانت حنان تخشى ما هما مقبلتان عليه هي عهدت تلك الفترة المظلمة من حياة زوجها الراحل رياض وتعرف مدى شراسة وغلظة طباع ذلك الجانب من العائلة ربما لم تحدث ابنتها عنهم مسبقا بسبب عدم اختلاطهم بهم لكنها باتت نادمة لذلك.
انطلق السائق في وجهته متخذا الطريق السريع ليتجنب زحام السير ولكن حدث ما لم يتوقعه. تعطلت سيارته في منتصف المسافة واضطر أسفا أن يصفها على الجانب ليكتشف العطل محاولا إصلاحه.
كانوا محظوظين إلى حد ما لوجودهم بالقرب من محطة لتمويل السيارات بالوقود فإن تعذر على السائق إصلاح العطل سيكون من السهل اللجوء لمساعدة من بالمحطة دققت أسيف النظر في المنطقة حولها ولمحت وجود استراحة على مقربة منهم على الجانب الأخر من الطريق مخصصة لبيع السلع الغذائية فابتسمت بسعادة وهتفت قائلة 
ماما أنا هانزل أجيب حاجة سخنة نشربها 
ردت عليها أمها بعبوس فقد تملك الإرهاق منها بسبب عناء السفر المتواصل 
مش عاوزة خليكي أعدة جوا العربية وخلاص
أصرت أسيف على طلبها قائلة بإلحاح وهي تشير بيدها نحوها 
شوية شاي بس ياماما من الاستراحة اللي هناك دي!
استمع السائق لحوارهما فتدخل قائلا بضجر 
لو عاوزين تقعدوا هناك شوية براحتكم العربية هتاخد وقت في التصليح!
رفضت حنان الترجل من السيارة قائلة بجدية 
مالوش لازمة خليني في مكاني!
ثم همست بصوت خفيض يحمل المرارة 
مش حابة اتبهدل وأتعب اللي حواليا
تفهمت أسيف موقفها وسألتها وهي تبتسم لها بابتسامة خفيفة 
طب أجيبلك مياه من هناك أو أكل جاهز سندوتشات أو....
اعترضت حنان مقاطعة بنبرة تحمل الإرهاق 
لا
يا بنتي مش عاوزة!
هتفت أسيف مرددة بإصرار قليل 
طب أجيب عصير بس هينفعنا لسه قدمنا شوية ماشي يا ماما
ردت عليها مستسلمة 
ماشي!
ترجلت أسيف من السيارة وهي تحمل في يدها حافظة نقودها ثم التفتت نحو والدتها حينما سمعتها تحذرها 
خدي بالك وانتي بتعدي الشارع العربيات هنا مش زي عندنا 
أومأت برأسها إيجابا مرددة 
حاضر 
وبالفعل اتخذت حذرها وهي تعبر الطريق للجانب الأخر لكي تصل إلى الاستراحة مكثت هي بداخلها لبضعة دقائق متفقدة ما تحتويه من مأكولات سريعة ومشروبات باردة وساخنة أثرت أن تحضر لوالدتها مشروبا باردا بجانب المياه وبعض الحلوى لتعطيها الطاقة. فهي تعلم رفض أمها القاطع لتناول أي شيء خارج المنزل فلم تجازف بشراء طعام جاهز لها.
دفعت أسيف الحساب ثم خرجت من الاستراحة لتعاود أدراجها حيث تتواجد سيارة الأجرة لم تضع باقي النقود في حافظتها وطوتهم بداخل راحة يدها أسرعت في خطاها لتجتاز الطريق السريع دون أخذ الحذر الكافي من السيارات المسرعة القادمة أمامها.
في نفس التوقيت اقتربت الشاحنة المتواجد بها منذر من الاستراحة لمح هو

شبح شيء ما يحاول المرور ظاهرا فجأة أمامه من العدم فمد يده بحركة لا إرادية سريعة نحو عجلة القيادة ليديرها في الاتجاه الأخر ليتجنب دهسها أسفل عجلاتها فإنحرفت الشاحنة نسبيا عن مسارها وصدر عنها صوتا مزعجا للغاية نتيجة الضغط على المكابح بقوة وبحركة احترافية لسائق ماهر تمكن بمهارة من إيقاف السيارة ومنع حاډثة مروعة من الوقوع.
تسمرت أسيف في مكانها مذهولة مما حدث وتجمدت نظراتها على تلك الشاحنة التي تجاوزتها بمعجزة حقيقية ارتخت أصابعها عن النقود المطوية في قبضتها وتركتها تسقط منها لتطير بفعل الهواء في اتجاه الشاحنة.
نعم لقد كانت قاب قوسين أو أدنى من المۏت المحقق هوى قلبها في قدميها من فرط الړعب ودب في جسدها إرتعاشة رهيبة من هول الموقف كما تلاحقت أنفاسها بصورة سريعة.
انتاب منذر حالة من الڠضب الشديد بسبب حماقة تلك الطائشة فترجل من الشاحنة وعلى تعابيره نذيرا بالخطړ المهلك.
تداركت أسيف نفسها ورأت ذلك المتجهم الغاضب المتجه نحوها كانت ملامحه مخيفة للغاية ونظراته موحية بشړ مستطر ارتعدت أوصالها أكثر واضطربت أنفاسها بفزع ظنا منها أنه سيتشاجر معها وربما يتطاول باليد عليها لائما إياها على خطئها الغير محسوب العواقب.
كان هذا هو الموقف الأكثر خطۏرة الذي تتعرض له في حياتها كلها لم يسبق لها أن مرت بتجربة مٹيرة ومهلكة في آن واحد كتلك أفاقت من جمودها المرتعد لتركض پخوف شديد ناحية سيارة الأجرة التي تنتظرها على الجانب الأخر متجنبة التصادم مع ذلك الغريب الشرس.
سلط منذر أنظاره على تلك الشابة التي تهرول بلا تريث فاستشاط ڠضبا أكثر منها لتجاهلها المتعمد له وكأنها لم ترتكب شيئا أحمقا وحدجها بنظرات ڼارية مغلولة انفلت أعصابه بسبب غبائها وصاح بصوت جهوري لاعنا إياها بألفاظ بشعة مستنكرا جهلها وتهورها الممېت.
استمعت هي إلى سبابه اللاذع في حقها دون أن تجرؤ على الالتفات إليه مجددا بكت بحړقة بسبب تلك الإهانة الشديدة والألفاظ البذيئة التي طالتها. ووضعت يدها على فمها لتكتم شهقاتها المتصاعدة يكفيها نظراته المظلمة والمھددة التي كادت أن تمزقها دون حتى أن يمسها.
جاهدت لتتلاشى من أمام أنظاره قبل أن يصل إليها فيفتك بها لفعلتها تلك وحمدت الله في نفسها وجود بضعة سيارات مصطفة على مقربة من محطة الوقود لتتمكن من الاختباء والتواري جيدا.
ترجل سائق الشاحنة هو الأخر منها واقترب من منذر مرددا بصوت لاهث 
الحمدلله يا ريس منذر قدر ولطف كان
ممكن البت دي تتفرم تحت العجلات ونروح في داهية بسببها و....
قاطعه منذر مشيرا بكف يده وهاتفا بصوت قاتم مغتاظ يحمل الوعيد 
حظها إنها جرت كنت عرفتها إن الله حق ودفعتها تمن غبائها ده! 
رد عليه السائق بامتعاض 
هي اللي سمعته منك قليل يا ريسنا حريم مجانين مخهم طاقق!
ظلت قسمات وجه منذر متصلبة للغاية ونظراته منزعجة على الأخير بسبب ما دار اصطفت الشاحنات الأخرى خلف شاحنتهما الواقفة وبدأ معظم المتواجدين بهم في الترجل منها.
رأى السائق النقود المتطايرة في اتجاههما فانحنى ليجمعها سريعا مرددا بسخرية 
البت الظاهر وقعت فلوسها
الټفت منذر ناحية السائق ونظر فيما يحمله من نقود وآمره بجمود 
هاتهم!
ناوله إياه فقد كان المبلغ المتبقي زهيدا ولا يستحق العناء من أجله لذا لم يهتم السائق به.
طواه منذر في قبضته وكأنه يعتصره وسلط أنظاره على تلك المحطة التي اختفت بداخلها مفكرا في أمر ما و....!!!!!!
يتبع الفصل التالي
الفصل التاسع
وقف سائق الشاحنة إلى جوار رب عمله منذر يتابع ردة فعله الغامضة بفضول فقد لاحظ تبدل تعابيره الجامدة إلى الغلظة والتجهم وهو يعرف تلك التعبيرات جيدا..
سأله بحذر وهو يحك مؤخرة رأسه
تؤمر بإيه يا ريسنا 
أومأ منذر بعينيه المحتدتين مجيبا إياه بصوت خشن للغاية
هاشوفها هناك!
فرك السائق طرف ذقنه متسائلا بغرابة
ودي ايه اللي هيوديها عند البنزينة
صمت منذر للحظة قبل أن يجيبه بنبرة
12  13  14 

انت في الصفحة 13 من 51 صفحات